في القرن الخامس قبل الميلاد، كتب الروائي والكاتب المسرحي التراجيدي سوفوكليس (𝚂𝚘𝚙𝚑𝚘𝚌𝚕𝚎𝚜) مسرحيته "أوديب ملكا" التي يكافح بطلها لتحديد سبب الطاعون الذي ضرب مدينته "طيبة" وأهلك الحرث والنسل وامتلأت الأرض بالجثث وسادت الفوضى، ليكتشف أن السبب هو القيادة السيئة للمدينة.
كانت الأوبئة شائعة في العالم القديم، وفي بعض الأحيان كان يوجه اللوم للقادة السيئين، بدلا من تفسيرها "بغضب الآلهة" مثل الكوارث الطبيعية الأخرى , كتب الشاعر الإغريقي الشهير هسيودوس (𝙷𝚎𝚜𝚒𝚘𝚍)على لسان زيوس(𝚉𝚎𝚞𝚜) -الشخصية الأسطورية في الأساطير الدينية الإغريقية - قوله إنه سيرهق القادة السيئين عبر الهزائم العسكرية والأوبئة، ويصف شعر الإلياذة الحكام السيئين الذين يدمرون شعبهم بتهورهم بأنهم "رعاة سيئون يدمرون قطعانهم.
كان المؤرخين القدماء مثل بوليبيوس(𝙿𝚘𝚕𝚢𝚋𝚒𝚞𝚜) في القرن الثاني قبل الميلاد وليفي (...) في القرن الأول قبل الميلاد كانوا يحاولون أيضا البحث عن تفسيرات "عقلانية" للوباء مثل تغير المناخ والتلوث، وروى المؤرخ ثوسيديديس (𝚃𝚑𝚞𝚌𝚢𝚍𝚒𝚍𝚎𝚜) كيف ضرب الطاعون -ذو الأصول الإثيوبية المزعومة- أثينا عام 430 قبل الميلاد، وشرح أعراض المرض مثل الحمى وضيق التنفس والهذيان.
وكانت أثينا دولة غير مستعدة لمواجهة تحدي هذا الطاعون، ويصف (𝚃𝚑𝚞𝚌𝚢𝚍𝚒𝚍𝚎𝚜) عدم جدوى أي استجابة بشرية بالقول إن مناشدات الآلهة وعمل الأطباء -الذين ماتوا بأعداد كبيرة- كانتا وسيلتين عديمتي الفائدة على حد سواء، وتسبب المرض في الدمار، لأن الأثينيون تكدسوا داخل أسوار المدينة تجنبا لمواجهة مفتوحة مع جيوش إسبرطة خلال حرب البيلوبونيز( 𝙿𝚎𝚕𝚘𝚙𝚘𝚗𝚗𝚎𝚜𝚎) المأساوية بين المدينتين التي استمرت أكثر من سبعين عاما (431-404ق. م)
وأحالت الإستراتيجية العسكرية التي انتهجها بريكليس(𝙿𝚎𝚛𝚒𝚌𝚕𝚎𝚜) "أحد أشهر القادة اليونانيين القدماء" أثينا إلى مرتع للمرض، عندما اقتنع مجلس الحكم فيها بالتخلي عن المناطق الريفية المحيطة لصالح كتائب المشاة الإسبرطيين، ونقل سكان هذه المناطق إلى داخل أسوار المدينة المكتظة بسكانها، وأرسل البحرية الأثينية لغزو السواحل البيلوبونيزية أملاً في حمل القيادة الإسبرطية على وضع حد للحرب.
ولم يكن منطق بريكليس(𝙿𝚎𝚛𝚒𝚌𝚕𝚎𝚜) الإستراتيجي والعسكري تشوبه شائبة، لكن الاختباء خلف الأسوار العالية أفضى إلى عواقب وخيمة، وقتل الطاعون ما يقدر بمئة ألف شخص، ويعتقد أنه دخل مدينة أثينا عبر ميناء بيريوس الذي يعد المصدر الوحيد للغذاء والإمدادات لأثينا القديمة، التي كانت مدينة تعج بالسكان.
وتوفي العديد من مشاة أثينا والبحارة الخبراء، و حتي جنرالهم المخضرم بريكليس (𝙿𝚎𝚛𝚒𝚌𝚕𝚎𝚜)، وبعده حكمت أثينا مجموعة من القادة وصفهم ثوسيديديس (𝚃𝚑𝚞𝚌𝚢𝚍𝚒𝚍𝚎𝚜) بأنهم غير أكفاء وضعفاء.
ورغم طبيعة الطاعون الرهيبة، يصر ثوسيديديس -الذي أصيب بالمرض ونجا منه- على أن أسوأ جزء هو اليأس الذي يشعر به الناس، مؤرخا لما اعتبره "رعب البشر الذين يموتون مثل الأغنام"، وموت المرضى بسبب الإهمال، ونقص المأوى المناسب، وانتشار الأمراض بسبب المدافن غير الصحية في مدينة غير مهيأة ومزدحمة، وسادت فيها أعمال النهب وغياب القانون.
وهكذا، تسببت أثينا، التي بنيت كحصن ضد أعدائها، بدمارها الذاتي، ومع ذلك لم يوقف الطاعون حرب طروادة()ولم يمنع أبناء أوديب من شن حرب أهلية فيما بينهم، ولم يعطِ تفشي الطاعون أهل آثينا أسبابا كافية لصنع السلام، بحسب هوميروس (𝙷𝚘𝚖𝚎𝚛)ومؤرخي اليونان القديمة مثل سوفوكليس (𝚂𝚘𝚙𝚑𝚘𝚌𝚕𝚎𝚜) وثوسيديديس.(𝚃𝚑𝚞𝚌𝚢𝚍𝚒𝚍𝚎𝚜)
ويركز ثيوسيديديس على الانهيار في القيم التقليدية، حيث استبدل الشرف بالانغماس في اللذات، و"لم يعد هناك خوف من الإله أو الإنسان"، وأما بالنسبة للجرائم ضد القانون "فلم يتوقع أحد أن يعيش طويلاً بما يكفي لتقديمه للمحاكمة ومعاقبته، وبدلا من ذلك , شعر الجميع أن عقوبة أشد بكثير قد صدرت بحقه فعلا
ومع ذلك، يعتبر ثيوسيديديس (𝚃𝚑𝚞𝚌𝚢𝚍𝚒𝚍𝚎𝚜) أن الكلمات تعجز حقا عن إعطاء صورة عامة عن هذا المرض، أما معاناة الأفراد فقد بدوا كأنهم يفوقون قدرة الطبيعة البشرية على الصمود.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق