الأربعاء، 1 يناير 2025

"وظيفية النص" : فن التعبير الذاتي وتحقيق "الغرض" .



أشعر بحكاك بين صدغي كلما حملتني رغبة إلي الكتابة، فالكتابة واحدة من أروع تراويح النفس. إنها كــ (دلو) يغمس في أعماق الذات لتفرغ من الدواخل مما تريد ومما لا تريد على السواء، وتطرحه فرحاً أو كرهاً. ثم ما تلبث أن تنشرح أساريرك - أو تبت يداك!


الأمر أشبه بـــ(استدعائك القئ من أعماق جوفك بفرشاة أسنان حين يدهمك طمام استعصى عليك استفراغه) . غير أن ما يُعول عليه حيال ذلك في أغلب الأحيان - إن لم يكن لزاماً - هو ما يمكن وصفه بـــ "وظيفية النص". مقدرة النص على تحقيق "الغرض" من كتابته.

أحالتنا إلى اتجاه مغاير تماماً لم يكن بالحسبان ساعئذ وهو "الغرض". فالغرض يشكل "وظيفة النص"، وهي - أي الوظيفية - وإن أُطِّرت باستفهام "كيف ولمن" تكتب، فإن "الغرض" يتجاوز إطار السبب في "الشكل" والـ"كيف " في حصر الظواهر والتجربة.

وظيفية النص، وإن كانت همزة وصل بين الكاتب والقارئ بحساب كونها حاملة وناقلة المضمون، إلا أنها فيما يلي- الاتصال الذاتي (𝙸𝚗𝚝𝚎𝚛𝚗𝚊𝚕 𝚌𝚘𝚖𝚖𝚞𝚗𝚒𝚌𝚊𝚝𝚒𝚘𝚗) الكامل   - تفقد لزوميتها بالنسبة للنص لتترك "الغرض" يكابد البقاء حيز الوعي المنساب منه والمناسب له! فكثيراً ما أكتب (لا) لأجل شيء ما  أو لمتلقي محدد ، ولكني أفعل، ويكفيني من ذلك إيجاد تواصل داخلي جيد، وإجادة إدارته.

فالوعي بما يمكن الإخبار عنه من ظواهر وتجربة وإن بدا في ملمحه فينومينولوجي (𝚙𝚑𝚎𝚗𝚘𝚖𝚎𝚗𝚘𝚕𝚘𝚐𝚒𝚌𝚊𝚕) بحت، إلا أنه بالتحقيق يمكن تعميمه برضا مريح - حين يدلق، إذ لا افتراض لواقع مستقل عن الإدراك بذلك.

لتكن قصدية "الغرض" موجهة بالأساس بتوجيه الوعي نحو شيء أكبر في تصوره ، والحال هو كذلك: "كل حالة وعي هي وإدراك بشيء محدد" يصف الظواهر كما هي عليه في واقعها أولاً، وكما إنقدحت بالوعي - ليس بمعزل عن  التجربة الذاتية الناضجة  - دون محاولة تحليلها ـ الظواهر  أو إيجاد تفسيرها أو إيجاد منطقية حدوثها ثانياً.

لتكون الظواهر أكثر تجريداً من أي افتراضات مسبقة أو تصورات خارجية تخل بفهمها - فتظهر فقط كما بدت أول ما بدت في حيزها وانعكاسها في الوعي المُدرك حدوثها - ما يجوز تعميمها وإن كان مصدرها ذاتياً.

وإلا فغير ذلك - عندما تنطلي الظواهر بافتراضات مسبقة مأخوذة من تجارب ذاتية غير ناضجة بوعيها كفاية فيختل الإدراك بها، وتبدو الظواهر في الوعي بغير ما هي عليه. وقد يدرك بنحو خاطئ تماماً ظاهرة ما.

(كم كنت تظن شيئاً بدا لك، ثم تدرك أنه على غير ما بدا لك أولاً). بلا شك كثير. فزاوية النظر للشيء قد تمنحه فهماً مغايراً - فوق ذلك التجربة الذاتية (من لدغه الدبيب، يخاف ... المثل). فمثل هكذا وعي يجب أن لا يؤثر على إدراكنا لماهية الحقيقة. , ولكن كيف ننفك من مشوهات الادراك ـ

إن صادف هذا النص قارئ ما,  و واصل بالقراءة لهذة الفقره مما كُتب,  عليه أن يأخذ بكلامي حيال هذة التجربة : أن لا يعيد القراءة مجدداً , ولا مرة أخري فيمابعد  . وأن يغتنم الفرصه بدلا من  ذلك في خلق تواصل بينه وبين ذاته بدون إختيار موضوع محدد  للحديث ولا تحديد "غرض" سوي إن يجب أن تفعل ـ بلا اجبارِ ما  سوي إكراهات الموضوع.  

▌│█▌║▌║▌▌║█│

---

الخميس، 12 ديسمبر 2024

هل لا يازال لـ (الفلسفة) طائل بعد. ؟

                ❞   
  الجهل يودي إلى الخوف والخوف يؤدي إلى الكراهية والكراهية تؤدي إلى العنف. هذه هي المعادلة.  
                    .                              ❝
.                                                  إبن رشد
تكمن القيمة الدائمة للفلسفة في تطوير الفكر البشري لدي كل فرد وبالتالي كل مجمتع .

كما أنها ـ اي الفلسفة ـ  اختصاصاً مشوقاً  بمثل أنها ممارسة يوميّة من شأنها أن تحدث تحوّلاً في المجتمعات. إذ تحث ــ الفلسفة ـــ على إقامة حوار الثقافات وتحيلنا إلـي إكتشاف تنوع التيارات الفكرية في العالم , لتسهم ـ حال إستيعاب ذلك الذي سبق ذكرة  ـ في  بناء مجتمعات قائمة على مزيد من التسامح والاحترام و من خلال حب العلم وطلب المعرفة و الحث على إعمال الفكر ومناقشة الآراء بعقلانية .
إلي ذلك باتت  الفلسفة كذلك وسيلةً لتحرير القدرات الإبداعية الكامنة لدى البشرية من خلال إبراز أفكار جديدة. وتُنشئ الفلسفة الظروف الفكرية المؤاتية لتحقيق التغيير والتنمية المستدامة وإحلال السلام.

ربما ما اقرته اليونسكو بأن يكون اليوم العالمي للفلسفة ، هو ما يصادف الخميس الثالث من شهر تشرين الثاني/ نوفمبر من كل عام . دمغ الحاجة الملحة للبشرية للفسلفة تعلماً وممارسه لخلق حياة سعيدة. 

السبت، 10 أغسطس 2024

بين منهج (عبدالله الطيب) و (طه حسين)


عبد الله الطيب (1921ـــ 2003)م 
وطه حسين (1989 ــ 1973)م 
من عمالقة النقد الأدبي العربي  ولكلٍ منهما بصمته المميزة وأسلوبه الخاص في تناول النص الأدبي , اذ جمعهما حب اللغة والادب وأخذهم الاهتمام بالتراث العربي و الولع بالدراسات الأدبية العربية ,  بخاصة الشعر الجاهلي والقرآن الكريم.
فتميز كلٍ من (الطيب)  و (حسين)  بعمق تحليلهما النقدي للكشف عن المعاني الدقيقة والطبقات المعنوية للنص الأدبي والبناء الفني للنص ,  والعناصر التي تدخل في تركيبه , من صور شعرية وإيقاع وقافية.
كل ذلك من خلال دراسة الأدب سواء من خلال سياقه التاريخي والثقافي والبيئة التي كانت يعيشها الشاعر  أو الجانب الفني و التركيب البنيوي للنص بنحو مستقل.  
المشتركات بين (الطيب)  و(حسين)  أكثر من أن تحصي كما انها ظاهرة وبينة ..

بيد انه ثمه فوارق دقيقة بابكاد تظهر .. بين طريقة الرجلين في تعاطيهما مع الموضوع ـ الادب العربي ـ يمكن ملاحظتها  في المنهج والاسلوب والتركيز علي الدين .

 اما ..
المنهح النقدي :
إتبع (عبد الله الطيب) منهجًا نقديًا أكثر تركيزًا على البنية الداخلية للنص , حيث كان يهتم بدراسة العناصر الفنية والجمالية للنص بشكل مستقل.
ومنهج (طه حسين) في النقد كان منهج تاريخيًا، حيث كان يركز على دراسة النص الأدبي في سياقه التاريخي , وربطه بالأحداث السياسية والاجتماعية التي عاشها الشاعر.


وفيما يختص بـ...
الأسلوب السردي :
فإسلوب (عبد الله الطيب) أكثر تعقيدًا وحبكه , ويعتمد على المصطلحات الأدبية والنقدية , مما يجعله موجهًا في المقام الأول للدارسين والأكاديميين 
بينما (طه حسين) إسلوبه السردي سهل و واضوح ,  أقرب ما يكون للحديث اليومي ,  مما يجعل كتاباته سهلة الهضم حتي للقارئ العادي.!

التركيز علي الدين : 
(عبد الله الطيب) كان أكثر حذرًا وتورعاَ في تناول القضايا الدينية ,  ومركز بشكل أكبر على الجوانب الأدبية والفنية للنص. بينما , (طه حسين) كان أقل محافظة وأكثر ميلاً  إلى تفسير النصوص الأدبية من منظور علمي , ما جعله عرضه  لإنتقادات بسبب بعض آرائه حول الدين.

يمكن القول إجمالاً أن (الطيب) أمعن تماماً في الجانب الفني والبنيوي للنص , من حيث أنه نص. بينما (حسين) حمل النص ابعاداً سوسيولوجي وتأريخية.

الاثنين، 17 يونيو 2024

هل كان (الفلاسفة) يصومون؟

هل كان (الفلاسفة) يصومون؟❗

- عرف بعض الفلاسفة القدماء الصيام، واعتبروا وسيلة لتهذيب الذات الإنسانية وأداة ناجحة لتحرير العقل الإنساني من الأوهام، ووسيلة للوصول لذروة الإتقان الذهنى والتخلص من طغيان الجسد، ولعل من القصص الشهيرة علميا هى صيام الفيلسوف اليوناني أبيقور  𝙴𝚙𝚒𝚌𝚞𝚛𝚞𝚜 كان أربعين يوماً قبل أن يؤدي الامتحان الكبير في جامعة الإسكندرية لشحذ قواه العقلية وطاقة الإبداع عنده.
- إن الصيام عند الإغريق القدماء كان مميزا لأنه وجد في بيئة يميزها التفكير الفلسفى بشكل أساسي، ولذلك في الأدبيات الإغريقية أجد أن كبار الفلاسفة كانوا صوامين، فــ سقراط 𝚂𝚘𝚌𝚛𝚊𝚝𝚎𝚜 كان كثير الصوم وأبقراط 𝙷𝚒𝚙𝚙𝚘𝚌𝚛𝚊𝚝𝚎𝚜 أيضا.
- كان أبقراط ينصح اليونانيين بألا يلجأوا إلى الدواء المادى إلا في آخر مرحلة من مراحل التشافى، ففي اليونان القديمة كان يعتقد أن يوم صوم أفضل من تعاطى العلاج بحسب ما أشار إليه المؤرخ اليوناني هيرودوس 𝙷𝚎𝚛𝚘𝚍، كما كان رجال أفذاذ مثل سقراط وأفلاطون 𝙿𝚕𝚊𝚝𝚘
وفيثاغورس𝙿𝚢𝚝𝚑𝚊𝚐𝚘𝚛𝚊𝚜 يعمدون للصيام للوصول لذروة الإتقان الذهنى والتخلص من طغيان الجسد، فكانوا يعنون بالصوم لأسباب صحية ونفسية وجسدية وفكرية.
- كان الصوم لدى ووردروث 𝙿𝚢𝚝𝚑𝚊𝚐𝚘𝚛𝚊𝚜المؤرخ اليوناني الشهير يرتبط بالآلة، فكان الصوم لأجل (جلب النماء والشجر والماء وللقحط والجدب)، أما فيثاغورس  فكان يؤمن بأن الصوم قوة فكرية وروحية وجسدية، ولذلك عمد بعض الفلاسف القدامى إلى صيام أيام عدة متواصلة خلال السنة، وكانوا يعدون الصوم خلال أوقات معينة أحسن طريقة لتعليم النفس وتهذيبها كى تتحمل الشاق والعسير من الحياة، فصام فيثاغورس أربعين يوما، وكان مقتنعا بأن الصيام يساعد على العمليات الفكرية، وصام كل من سقراط وأفلاطون عشرة أيام.
- وتأثر  𝚃𝚑𝚎 𝙿𝚢𝚝𝚑𝚊𝚐𝚘𝚛𝚎𝚊𝚗𝚜 نسبة إلى الفيلسوف فيثاغورس الذين عاشوا في بلاد اليونان والرومان، وتأثروا بفكره يصومون بسبب الزهد والتقشف، اعتقادا منهم أن البشرية كانت في البداية في حالة من التكامل، ثم فقدتها بسبب الخطيئة والطغيان واعتقد الفيثاغوريون أن الإنسان لا يستطيع التقرب إلى العالم الروحى إلا عن طريق الصيام والابتعاد عن ملذات الحياة.

وفى عصر النهضة في أوروبا، أخذ علماؤها يطالبون الناس بالحد في إفراط تناول الطعام والانغماس في الملذات، ويقترحون الصوم للتخفيف من الشهوات الجامحة، والحد من الانغماس الزائد وراء الطعام والشراب، فهذا أحدهم "لودفيك كارنارو" 𝙻𝚞𝚍𝚟𝚒𝚔 𝙺𝚊𝚛𝚗𝚊𝚛𝚘 من البندقية يكتب بحوثا عن فوائد الصوم بعد أن مارسه واستفاد منه، وهو في الثالثة والثامنون من عمره، وكان مما قال: "يا إيطاليا البائسة المسكينة!! إلا ترين أن الشهوة تقود إلى موت مواطنيك أكثر من أي وباء ينتشر أو حرب كاسحة"، "إن هذه المآدب المشينة التي هي واسعة الانتشار اليوم، لها من النتائج الضارة وما يوازى اعنف المعارك الحربية".!

الجمعة، 31 مايو 2024

#حديث_الجمعة

Facebook

﴿وَلَا تَهِنُوا۟ وَلَا تَحۡزَنُوا۟ وَأَنتُمُ ٱلۡأَعۡلَوۡنَ إِن كُنتُم مُّؤۡمِنِینَ﴾ [آل عمران ١٣٩]

الاثنين، 5 فبراير 2024

ُهلُ وَلُدِ ( سِقًرَاطِ) مٌبّتْسِمٌا˝.. (؟)



توطئة:
لُيَسِ مٌنَ الُضُرَوَرَةِ انَ يَكِـــــوَنَ كِلُامٌيَ مٌقًبّوَلُا ..
وَلُكِنَ بّالُضُرَوَرَةِ انَ يَكِوَنَ صّادِقًا ..
"سِقًرَاطِ"

لُأنَ الُفَكِرَ الُمٌتْقًدِ  ــ اوَ الُذَيَ يَوَدِ لُةِ أنَ يَكِوَنَ كِذَلُكِ ــ يَتْدِرَبّ ْعلُيَ الُتْسِاؤلُاتْ الُأسِاسِيَةِ وَالُغًوَصّ فَيَ لُجْ الُأشِيَاء حُتْيَ يَصّلُ إلُيَ الُجْوَُهرَيَ ..كِانَ ْعلُيَنَا أنَ نَضُْع ( إجْابّاتْ) إفَتْرَاضُيَةِ مٌسِبّقًةِ لُأسِئلُةِ لُمٌ تطرح من قبل ُ أوتْطِرَأ حتي ُ ,, وَلُيَسِ بّالُضُرَوَرَةِ أنَ تْكِوَنَ  ُهذَةِ الُإجْابّاتْ ــ ْعلُيَ الُصّْعيَدِ الُفَوَرَيَ ــ مٌقًنَْعةِ ... بّلُ يَكِفَيَ أنَ تْكِوَنَ لُآئقًةِ بّالُحُدِ الُأدِنَيَ ..
وَلُكِنَ  تْرَيَ كِيَفَ يَمٌكِنَ أنَ يَكِوَنَ ذَلُكِ ؟
ْعلُيَ أيَ حُالُ إنَ لُمٌ يَكِنَ الُإسِتْفَُهامٌ الُأٌخيَرَ مٌنَ ْعيَنَةِ ُهذَةِ الُأسِئلُةِ .. فَرَبّمٌا الُتْالُيَ ..!!
سِقًرَاطِ الُذَيَ إٌختْارَ ( كِيَفَ) يَمٌوَتْ وَبّشِكِلُ تْجْسِدِتْ فَيَةِ  الُمٌأسِاةِ وَالُمٌلُُهاةِ وَالُتْرَاجْدِيَا وَشِيَئا مٌنَ الُـ(action) شهدت فصولة  الحاضرة اثينا  بفضول وإربــاك .. تري هل ولد مبتسما؟
  في الواقع ليس ثمة من يستطيع الجزم بهذا او خلافة .. ربما حتي ( فَيَارَنَيَتْ) أمٌةِ لم تكن وقتئذ علي يقين حيال الأمر عينة .. غير أنها فيما يتصور قد ولدتة كـــ( خلاصة)  فضلا ان يكون عن تجربة ودراية .. وليس شرطا ذاتية هذة التجربة .. فقد كانت ولادة (قـــابلة)  فلكم ولدت الاثينيات الحبالي وما انفكت تساعدهن عند ساعة الطلق والمخاض .. لهذا. يَرَيَ انها ارادت يوما ما أن يكون ( في او لـ) وليدها ــ اي كانت تقاسيم وجهة ــ كل الفضائل المثالية الجميلة التي طالما تحلي بها الاولون من عظماء أثينا الاقدمين فتزينت بهم الحاضرة الاغريقية علي مر العصور كما أنة لا يستبعد أن يكون محفذها ــ الي ذلك ـ فضيلة أبية ( سوفرنيسك)  البطل المؤسس للسلالة والذي اغتيل ـ فيما بعد ــ بينما كان يذب عن عن عرض وشرف وأمجاد العشيرة ..
أو ليكن لها ( سقراط)  .. ذلك المزدان. في نظر الذكري المشتركة للحكيم بين المكان ( أثينا)  والرموز الاثينية الفاضلة ابتداءا من ( فيثاغورس .. يسوع .. وكونفونشوس)  في الماضي البعيد وليس انتهاءا بـالمعاصرين من أمثال ذاك المدعو  ( أناكساغور) من ابرز سالكين درب الفلسفة .. هذا بغض النظر عما كان علية مصيرة : استضدم اناكساغور بأثينية أثينا القرن الخامس ( ق. م) عندما بدأت افــــــكارة الجريئة وتساؤلاتة الجزرية المتسمة ــ قبلا ــ لدي الأثنينين بخطئطة الكبرياء علي النظام الأثيني الإلهي .. فإتهموه بالالحاد عندما جرد بعض ( آله)  الحاضرة ( الشمس والقمر)  من قدسيتهما اذ وصفهما بكتلتين مشتعلتين ليس الا  فحوكم بالنفي  ــ فيما بعد .! 
غير ان ما يخدم تصورنا ـــ ان سقراط ولد مبتسما ــ ان فيارنيت أرادت ذلك .. اذ انها من بين كل معلمي الاحاضرة  ارسلتة ليتتلمذ علي يد المتقدم زكرة ( أناكساغور).
فيعلمة علم الـكونيات ( Cosmolegy)  الي ان بلغ الغلام سقراط ومعلمة ان تدارسا خواص وطبيعة المادة وتحليلها حتي توصلا الي تفكيك بنيتها ــ فيما قيل ــ وأناكساغور ــ قبل ان يغادر الحاضرة منفيا ومغضوب علية كان قد وضع في تلميذة النجيب اساليب تعلم المعرفة ومحبة الحكمة ورَسخ فية الإعتزاز بقناعاتة حتي علي مستوي السلوك فضلا عن قوة النفس وتبجيل العقل .. ليكون بالتالي قد عبد له درب (السفسطة) حتي غدا سقراط ذلك الفيلسوف الحكيم الذي نعرف كما عرفتة الحاضرة من قبل سقراط المبجل الدامغة حجتة والفاضلة صفاتة رغم انهم كانوا يجدونة ــ نوعا ما ــ الغريب سلوكة .. هذا ربما لأنة وصل بأخلاقة. الحميدة الي تمام النفس للقدر الذي بات يعلم فية يقينيا ان " ما فاتة ما كان ليدركة وما علمة ما كان ليجهل العمل بة " ــ بني علي هذا القول (شليرماشر) معضلتة القائلة : ( مايمكن ان يكون قد كان) .. وكل هذا. بدماثة وتواضع فاق حد اللامبالاة : فيزكر انة في وقت ما ذهغب ( شيرويفون)  احد تلاميذ. سقراط فيما بعد لإستشارة وسيط وحي (دليفة) .. لتحقق عما اذا كان ثمة من هو اعلم من سقراط علي هذة البسيطة؟ فماكان من الدليفية الا ان تكون اجابتة (لا) !! وبشكل قاطع .. وسقراط عندما يعلم بذلك. يتسال ببرودة المعهود عما : ماهو المراد بكونة (هو) الاكثر علما من وسيط الوحي مصطفي الألهة في الوقت الذي كان يري نفسة ليس عالما لاكثيرا او قليلا
لهذا من جهة .. أما اذا نظرنا. الي سقراط في خارطة المجتمع الأثيني سنجدة قد تموضع بشكل راس في كل مفاصلها وتفاصيلها. .. وما من شيئ لزم أن يكون فية الرجل. إلا كــــان كأفضل ما يكون ممن سواة من رجالات الحاضرة تماما العكس صحيح.  
كبرهن لهذا ـــ انظر في اعقاب سيرة معركة ( الأرجينوز) وقضية الألوية الستة التي تقاعست عن حمل رفات رفاقهم تعللا بالعاصفة... فيما بعد .. كونت جمعية قضائية للفصل في الموضوع .. وسقراط ضمن اكــــبر قضاة الجمعية وهو الوحيد الذي ذهب بالرأي : علينا مقاضاة كل جندي علي حدا والاستماع لتعليل موقفة عوضا أن يحاكموا جمله واحدة .  
غير ان أغلبية التصويت علي الحكم من قبل الجمعية كان هو الفيصل .. حوكمت الالوية جملة واحدة .. ليتضح فيما بعد ــ بمدة ليس بالطويلة ــ وبعد ان قضي الالوية الستة بالاعدام .. انة الوحيد من بين قضاة الجمعية كان علي للصواب : يَظٌلُ  مٌوَضُوَْع الُجْرَمٌ الُمٌرَتْكِبّ بّدِوَنَ شِاُهدِ ( مٌا) وَبّْعدِ انَ صّارَ الُإْعتْقًادِ بّالُنَظٌرَةِ الُكِلُيَةِ لُلُْعنَايَةِ الُإلُُهيَةِ غًيَرَ مٌوَجْوَدِ الُبّتْةِ وَأصّبّحُ الُتْْعرَضُ لُلُْعقًابّ لُا يَتْوَقًفَ إلُا ْعلُيَ نَظٌرَةِ الُآٌخرَيَنَ لُلُنَاسِ .. أصّبّح اُهتْمٌامٌا مٌسِيَطِرَا فَيَ الُتْفَكِيَرَ الُأٌخلُاقًيَ وَالُقًانَوَنَيَ كِذََلُكِْ ْعلُيَ الُسِوَاء ..
وربما سيظل الي ان يأخذ موضوع ( الورع .. و .. التقوي) لعب الدور الأساسي والمركزي في القضايا بأكملها.
وفي الآخر .. هاهو سقراط ينزر الألوية التي اعدمت شهداء. 
كما انة بذلك يدمغ تصورنا كونة ولد كـــ( خلاصة)  بالتصورية المنطقية للرعونة ـــ الي ذلك ـــ
كما أن مفهوم الـ( ممكن)  حين ذهبنا تسويغة بالمعني الأكــــثر حصرا ـــ كمنطق عروض حقيقي لا منطق تعابير متناقض ـــ شبيها بذالك الذي اجترحة احد تلاميذة ( أبوليد)  في متناقضة الكذاب الشهيرة ..
والغريب في الامر أن سقراط لطالما اراد ان يتسربل بدثار الـ( لاشيئ)  في الوقت الذي كانت حاضرتة تجدة أكثر علمائها علما. واكبر سفسطائيها فلسفة .. وهو يدعي الجهل .. وحين كان ( إلكسبياد)  أحد قادة الوية اليونان الفاضلين ويتمتع بصفات حميدة .. اذا ما قورن بة كان يري فية ذلك البطل الجسور بينما يتواري خلف انة لا يفعل الا الواجب!!  .
ولما شاع عنة انة ( نبي)  يتدارك هذا الاعتقاد لدي الأثينين بأنة لا يمكن لنبي (ما)  ان لا تكون لدية رسالها يبلغها عن من ارسلة! ! .. فسقراط الذي كان لا يقول انة لا يعلم شي كان هو العالم يمثل مفاتيح العلم وقتئذ ..  بيد انة كان كل شيئ.
بقي ان نعرف أن لكل فضيلة.   وفضيلة شيئ ( ما)  هي علية ما أوجد "صنع" له ففضيلة السيف كـ ( سيف)  حدة .. وفي التضاعيف من ذلك نجد ان فضيلة حدة هي حدتة فيما وجهه نحوة والنيل الجسيم الذي يشفي المراد بالعمل علي بتر ما يرام بترة .. 
وفضيلة سقراط انة عرف انسانيتة واستوعبها كدرس لازم وصقلها بالمعرفة التي هي ملزمة من ملزمات فعل الخير وحبة كما انها محصلة الحكمة والطمانينة التي هي ــ الطمانينة ــ سر السعادو وجوهرها ..وكان قولة في هذا الصدد : يكفي ان نعرف الخير لنفعلة. فصارت نفسة محلقة في سماوات الترفع والإثار مشعة كمالقبس 
سِمٌتْ بّةِ نَحُوَ مٌرَافَيَ الُطُِهرَ وَالُتْنَزُةِ ْعنَ ثُقًلُ الُابّدِانَ الُمٌنَتْنَُه بّافَْعالُ الُمٌسِتْقًبّحُاتْ مٌنَ الُامٌوَرَ الُمٌشِيَنَةِ ْعيَبّا ( ْعرَفَ) وَإثُمٌ ( تْوَرَْع) .
وَلُكِنَ ُهلُ أسِْعفَ سِقًرَاطِ رغبة فيارنيت ( أمة)  المفترضة بأن يكون لها كما ودت؟ !
هذا اذا ما علمنا انة في واقع الأمر ذا شكل فلسفي بحت غير أنة لم يكن كمن سبقوة في هذا المضمار .. كان بطلا جسورا وقائدا محنك همام وما ( ديبليون 424 ق. م)  ببمنسبة من وعي الحاضرة تماما تلك المعركة التي بعدها بنحو سنتين عزز قتاعة الاثيننين فية عندما خاض معركة ( ديموفليس422 ق. م) فضلا عن معركة (الأرجينوز 404) آنفة الزكر .. فقد عرف تماما˝ ماهي الشجاعة ..؟ كما كان يعرف بذات القدر الفوارق الدقيقة بين ماهو شجاعة وماهو تهور وحمق واي الشجاعة في الحقيقة هي فضيلة !! .
إن فضيلة ( أمة)  من واقع كونها قابلة تخشي علي نفسها المقولة ( باب النجار مخلع) ..هي أن تضع مولودا كـ ( نموزج)  محلي او متحلي بالصفات النبيلة للغاية وتمام النفس .. وربما لما جاء سقراط الوليد علي غير ما تود أي أم أن يكون وليدها .. تداركت الأمر بالنظر الي الجوهري من ذلك دون اخذ اي اعتبار لوسامة قسماتة أو بهاء طلتة كما يحتفي بذلك الأمهات الأثينيات وغيرهن .. فدونكم (شارميد) ذلك الفتي الاثيني المدلل كان قد جمعة حوار شيق ويَ سقراط وقت ما .. اسر لــ( إفلاطون)  بوعد أن يقوم بقص خصلات شعرة المسدل علي كتفية دون تورع من حياء إذا ما أصاب سقراط مكروه ما وقد فعل في اعقاب المؤامرة.
 فقد كان سقراط في أول الأمر ــ كما وصفة فرانسيس ــ بشع : وجه مسطح وأنف أفطس لمنخاران خانسان .. وعبنا ثور أعلي رأس حاف الناصية الا قليلا .. و شفتان غليظتان. ــــ الي ذلك ـــ كان مهملا غير مكترث بهيئته البته .. مرتديا صيفا وشتاءا .. وبشكل غريب ..معطفة المهترئ كالمعوزين وان كانت لا تنقصلة الحيلة ممسكا عصا باحدي يديه بينما لا يأبه ان يعدل معطفة حال سقوطة باليد الأخري ــ
غير انهم يزكرون علي سبيل الإستثناء إنة كان يحضر عشاء ( أغانتون)  وقد اغتسل ليلئذ بنحو جيد ومنتعلا خفية .. 
ولكن .. ما يهم في ذلك إذا ارتبط الأمر بالنسبة لماهو خلق إذا ما قورن بماهو خلق ..فالقضية كما يلي : بالنسبة لشعب مأخوذ الي هذة الدرجة جمال الأشياء ورونقها ومغرم بما يكفي للحد الذي يري فية الإنسجام الطيع محض هبة إلهية .. وإلا لما لم يحكم علي ( غاندي و كـــــانط)  بمظهريهما .
لا بد أن سقراط قد حملتة أمه كرها ووضعتة كرها وربتة كذلك..  لأنة ليس ثمة مولود ( ما)  تضعة أمة كما تريد لة أن يكون من حيث الـ( خلقة)  دون تفصل .. ولما كان الأمر كذلك لما لا نختار علي اي شيئ نموت أوربما بالقليل لأي شيئ نحي ؟ هذا اذا عرفنا بدورنا انفسنا وتحققت انسانيتنا ( لما خلقنا)..
غير ذلك .. فسقراط ولد يوم أن شرب منقوع الشوكران( نبتة شديدة السمية) ولو كانت شفتاه غليظتان فلربما ليرتشف اكـــثر .. فقد إختار كيف (يحي) و كيف  (يموت)؟ عوضا عن كيف يولدكما تريد لة امه او يريد هو.!

هل العُزلة أكثر (براءة) من الوحِدة؟ !



كانت (فيّ باوند ألبرتي)  تري الوحدة ـ في كتابها "سيرة الوحدة"  أن المشاعر الإنسانية بعيدة عن أن تكون متجاوزة للزمن وكينونته,  كما أنها تخضع للمتغيرات التاريخية من فكر وثقافة وممارسة ,لذا هي شديدة التغلب . 
ومن هذة. الزاوية الأكثر إلحاحا  بدت (فيّ باوند) ـ  أكثر عاطفية من الأكاديمي  (ديفيد فينست) في إستعراضة لـ " تاريخ العزلة" , الإستعراض الذي جلي فية "العُزلة" وتاريخها إجتماعياً وثقافياً علي مدي ثلاثة حقب  بنحوٍ جزل   .

فـ : (في عصر التنوير في القرن الثامن عشر,   كان وجود الإنسان منفردًا بمثابة إنحراف عن الفطرة الطبيعية للبشر التي كان يفترض أن تكون اجتماعية في جوهرها , لكن في العصر الرومانسي تغيرت هذه الفكرة في العالم الغربي، وأصبح الشعور بالوحدة سمة للعصر الحديث، ومثلت نوعًا من التأمل الروحي ومعرفة الذات واستكشاف ما يغيب عن المجتمع المادي.)

إستند "فينيست" في جمع بحثه حول  "تاريخ العزلة" علي مجموعة كبيرة من المصادر الأدبية والسوسيولوجية فضلاً عن التاريخية ـ. وخلص الي أن "العُزلة" وإن كانت في شكلها "وحِدة" إلا أنها ليس عن عوز الرفاق. فوق ذلك فهي :" وحدة فاشلة"  ـ غير أني أجدها أكثر (براءة) من الوحدة. !.

الغريب أن عالم الإجتماعي البريطاني  "فينست" عندما كان يحرر بحثة ذا, لم يكن علي علم بما ستؤول إليه الأحوال بالعالم. من "عُزلة" إجبارية جراء تفشي جائحة كرونا ـ غير أنه بدي وكأنه قد ضرب موعداً مع حزمة الإجراءات الإحترازية تلك كمصادفة لافتة , الإجراءات التي حفذت الكثيرين من الكُتاب ساعئذ من إستقصاء الأمر في بحوث مختلفة ـ كـ (أحمد شلتوت) علي سبيل الزكر .
يجدر زكر إن الشخص الذي يميل. لــ"العُزله" فإنه ليس بالضرورة أن يكون محتقراَ للأخرين ـ بل ـ. ربما ـ لأنهم   لا يثيرونه إجتماعياً ,  كما أنه (يُعد أكثر ذكاءاً من غيره ) بحسب تقرير أعدته (جورنال اوف سيكولجي. البرطانية ـ ) هذا مع الأخذ في الحسبان طبيعة العزلة  عمّا إذا كانت ميلاً ام عن دوافع ـإشكاليات " ـ  وما يوجد من فوارق بين ذلك .
إن الطبيعة الإجتماعية وتفاعل الشخص معها ـ قد ـ تدفعة ـ الي العزلة ضرورة لا إختيار وإن كان بالمحصلة النهائية. تنتهي العزلة  بصاحبها الي المعاناة من بعض الامراض  بإتفاق (فينيست) و (فيّ) ,في  (تاريخ العزلة) و(سيرة الوحدة) ـ بيد أن قوة الاخذ لخيار العزلة التي أضحي متنامٍ ـ  تهون علي المرء ما يحتمل ان يواجهه إضطرابات
 وإن أخذتا ( العُزلة / الوحِدة) شكلاً مغايراً عمل كانتا علية
فحديث جدا ـ وبعد التعلق المقيت بالـ (شوسال ميديا) وتقنية الوسائط المتعددة ـ بات المرء أكثر "عُزلة " عن الآخرين بجسد بمثل ماهو اعمق "وحدة" بعواطفه .. 
فلا هو في عزلة تمكنة من الوقف علي ذاتة ومعرفة نفسة ولا هو مندمج بنحو كلي بمجتمعة .

 مهما يكن من شيئ , فإن أكثر ما يثير الإنتباه ويستدعي التأمل  ما قاله صاحب اليخوت (روبن نوكس جونسون) : أن معدل الجريمة سينخفض لو حكم على الناس بالإبحار حول العالم بدلاً من سجنهم "عزلهم"). !!