الخميس، 25 فبراير 2016

الُتْمٌلُــــقً .. آفَُه الُْعصّرَ الُتْيَ تُْهدِدِ "الُأمٌنَ الُوَظٌيَفَيَ"

ل
التملق آفة العصر التى تهدد "الأمن الوظيفي"

{ حيثما يوجد مدير يوجد منافق، وحيثما يوجد رئيس يوجد متملق ومتسلق هكذا أصبح واقع الحال. والغريب أن مثل هؤلاء باتوا يصنفون من قبل الرؤساء أنهم متعاونون فى العمل وحريصون على مصلحة الشركة أو المؤسسة وهم أبعد ما يكونوا عن ذلك. وهذه النوعية المريضة من الأشخاص باتت لا تكترث إلا بالوصول الى ما تصبو اليه مهما كان الثمن ومهما كلفها الأمر. 
{ والمتملق شخص شديد الذكاء وخفيف الحركة وتلاحظ هذا بوضوح فى معظم المحيطين بأصحاب النفوذ فى المؤسسات، فتجد هذا المتملق حاد البصر ولماحاً بشكل مذهل ويقف دائماً على أطراف أصابعه مستعد دائما لتلبية أية إشارة صادرة عن سيده، فما أن يبادر السيد بأية التفاتة نحو أي شيء إلا وتجد صاحبنا بين يده ملبياً: (نعم سيدي) كما أنه يتولى الأعمال التى فيها احتكاك مباشر مع المدير ولا يتركها لغيره كما تجده دائماً متربصاً بزملائه لاصطياد أخطائهم.
{ وصفة التملق هى امتداد طبيعي للغدر والخيانة والنفاق فالشخص الذى يوجد معك بالساعات بوجه الزميل الصديق وفى نفس الوقت يحاول أن ينتهز أول سانحة ليطعنك فى ظهرك، لا شك أنه يجمع بين كل هذه الصفات. تبقى لنا أن نعلم أن المتملق له استعداد غير طبيعي فى أن يتلقى المهانة والشتائم من رؤسائه فى العمل دون أن يشعره هذا بالامتهان بل تجده يبتسم وهو يتلقى أقسى العبارات وربما تكون عبارات جارحة جداً وعلى مشهد من الناس لكنه لا يحرك ساكناً فى سبيل ألا يغضب عليه سيده. وقد تمتد به التنازلات لخدمة المدير خارج العمل فى أمور خاصة.
{ وجود فئة مثل هذه داخل أغلب المؤسسات يهدد الاستقرار والأمن الوظيفى لكثير من الموظفين والعمال الشرفاء، الذين يضعون العمل نصب أعينهم دون إرضاءات رخيصة لشخص بعينه وفى نفس الوقت نجد أن هذه المجهودات المضنية فى العمل التى يقومون بها من أجل كسب مشروع يمكن، وبكل بساطة، أن تنسب الى غيرهم وتسرق منهم دون أن يشعروا بذلك؛ لأن هذه الفئة من المتملقين لها مهارات منقطعة النظير فى تضخيم أعمالها والاستعراض أمام الرؤساء بجهودهم الزائفة، بمعنى أن هؤلاء لديهم المقدرة على تسويق أنفسهم بشكل قد يدهشك وقد يجعلك فى حيرة من هذه التمثليات المحبوكة بمهارة عالية. وليس بالغريب على هؤلاء أن يصلوا الى قلوب الرؤساء بأن يتخذوا من الآخرين معبراً لهم حتى لو كلفهم الأمر العبورعلى أنقاض زملائهم بعد أن يمزقوهم بالوشايات والأحاديث الملفقة وحياكة المؤامرات فى وضح النهار من أجل أن يقصوهم أو يبعدوهم درجة، المهم فقط هو الوصول والعمل بمبدأ أنا ومن بعدي الطوفان.
{ السؤال الذى نحن بصدده الذى نوجهه لكل الرؤساء والقائمين على أمر الناس فى الشركات والمؤسسات التى تضم داخلها مثل هذه الفئة: أين أنتم من هؤلاء المتملقين؟ الذين تأكد بما لا يدع مجالاً للشك أنهم يسيطرون على الوظائف ويقصون الأبرياء والشرفاء تحت ستار الحرص على العمل وتقربهم من الرؤساء، ويحظون بالترقيات وزيادة الرواتب دون غيرهم، فأنتم مسؤولون أمام الله عن ضياع حقوق الأبرياء، فهل أنتم آخر من يعلم؟! يبدو جلياً أن القائمين على أمر الموظفين من رؤساء وإداريين فى هذا البلد باتوا لا يميزون بين أولئك الأنقياء أصحاب المبدأ والعطاء والإخلاص فى العمل، وبين أصحاب الابتسامات الصفراء الذين يحملون سيف الغدر ليمزقون به أحشاء كل من يحول بينهم وبين الوصول. أولئك الذين تسربت سموم التملق إلى دمائهم وجرت في عروقهم وزينت لهم طريق الخداع والرياء فأفسدت ضمائرهم، وهذا مردّه الى أن معظم الرؤساء يهتمون فقط بالقالب الذى يقدم فيه العمل دون التقصي والاهتمام بجوهر العمل والسعى للوقوف على كل التفاصيل، كما أنهم يستمعون باهتمام الى كل ما يأتى اليهم من وشايات فى مكاتبهم المكيفة المفروشة بأفخر أنواع السجاد دون أن يكلفوا أنفسهم سماع الطرف الآخر كما أنهم يتعاملون مع الموظفين البسطاء الأشراف بسياسة التجاهل وعدم الالتفات الى ما يبدونه من آراء ولا يدخرون وسعاً فى العمل بمبدأ (فرِّق تسُد)! بتقريب عصبة من الموظفين اليهم وزرعهم بين أقرانهم كي يتحاشوا تحالفهم عند ضياع الحقوق. ولا يفوت علينا أن هناك بعض الرؤساء مصابون بأمراض النرجسية وحب الذات، فالتطبيل والاهتمام والانكسار الذى يجدونه من المتملق يجد هوًى فى أنفسهم، فيدعمون المتملق وهم يعلمون تمام اليقين أنه لا يصلح للعمل. ونجد فى بعض المؤسسات أن الموظف الذى لا يبتسم بمجرد رؤيته للمدير يُدخل فى زمرة المغضوب عليهم ويوضع ضمن القائمة السوداء! لذلك يجد المتملق الملعب أمامه خالياً ومهيأً كى يمارس لعبته القذرة.
{ إذا كنت صاحب مبدأ وقيم فأنت بالتأكيد ستكون محاطاً بكثير من المؤامرات والدسائس وربما تخسر الكثير في سبيل الحفاظ على هذه القيم والمبادئ، لكن لا سبيل لك غير المقاومة والصمود، وأهون لك أن تخسر كل شيء وتموت بعزتك ولا تحيا وأنت ذليل. وأعلم أن الرزق لا يتسع بتقديم التنازلات غير المشروعة، وحتماً ستجد بانتظارك أبواب أخرى كلما أغلقت فى وجهك أبواب، وإن كنت من زمرة المتملقين فستصل الى أعلى المراتب وستتخلص من الذين جعلتهم خصومك ببراعة تحسد عليها وستنجح فيما تصبو اليه من مخططاتك الانتهازية وستحصد كثيراً من الأموال وتجلس على ذلك الكرسى الذى طالما حلمت به لكنك ستجد بانتظارك دعوة مظلوم وانتقام جبار ولو بعد حين.

ليست هناك تعليقات: